محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه
قال رحمه الله: باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه.
حدثنا بشر بن محمد اسم> قال: أخبرنا عبد الله اسم> قال: أخبرني معمر اسم> ويونس اسم> عن الزهري اسم> قال: أخبرني أبو سلمة اسم> أن عائشة اسم> رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته قالت: رسم> أقبل أبو بكر اسم> رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح اسم> حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة اسم> رضي الله عنها فتيمم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه، فقبله، ثم بكى، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها متن_ح> رسم> .
قال أبو سلمة اسم> فأخبرني ابن عباس اسم> رضي الله عنهما أن: رسم> أبا بكر اسم> رضي الله عنه خرج وعمر اسم> رضي الله عنه يكلم الناس فقال: اجلس. فأبى، فقال: اجلس. فأبى، فتشهد أبو بكر اسم> رضي الله عنه فمال إليه الناس وتركوا عمر اسم> فقال: أما بعد، من كان منكم يعبد محمدا اسم> صلى الله عليه وآله وسلم فإن محمدا اسم> صلى الله عليه وآله وسلم قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: رسم> وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ قرآن> رسم> فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر اسم> رضي الله عنه فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشر إلا يتلوها متن_ح> رسم> .
وحدثنا يحيى بن بكير اسم> حدثنا الليث اسم> عن عقيل اسم> عن ابن شهاب اسم> قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت اسم> أن أم العلاء اسم> -امرأة من الأنصار- بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: رسم> أنه اقتسم المهاجرون قرعة فطار لنا عثمان بن مظعون اسم> فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب اسم> فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وما يدريكِ أن الله قد أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا متن_ح> رسم> .
حدثنا سعيد بن عفير اسم> حدثنا الليث اسم> مثله، وقال نافع بن يزيد اسم> عن عقيل اسم> ما يفعل به، وتابعه شعيب اسم> وعمرو بن دينار اسم> ومعمر اسم> .
حدثنا محمد بن بشار اسم> حدثنا غندر اسم> حدثنا شعبة اسم> قال: سمعت محمد بن المنكدر اسم> قال: سمعت جابر بن عبد الله اسم> رضي الله عنهما قال: رسم> لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهونني، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة اسم> تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه متن_ح> رسم> .
تابعه ابن جريج اسم> أخبرني محمد بن المنكدر اسم> سمعت جابرا اسم> رضي الله عنه.
جعل هذه الأحاديث في الدخول على الميت، وفي الكشف عنه، وفي مدحه، أو الثناء عليه بعد موته، أو نحو ذلك، ففي الحديث الأول: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة اسم> ذكرت: أنه مات وهي محتضنة له، وقد أسندته على صدرها، تقول: رسم> فكان آخر ما قال: اللهم في الرفيق الأعلى متن_ح> رسم> سأل ربه: أن يرفعه في الرفيق الأعلى.
ولما توفي كان أبو بكر اسم> في السنح اسم> وهي ملك له، أو مزرعة خارج المدينة اسم> وكان عمر اسم> في المسجد، فجعل بعض الناس يقولون: مات النبي صلى الله عليه وسلم فيضربهم عمر اسم> وينهاهم، ويقول: إنه سيقوم ويعذب أناسا، فكثر اللغط حوله.
فلما جاء أبو بكر اسم> رضي الله عنه دخل في حجرة عائشة اسم> وإذا النبي عليه الصلاة والسلام مسجى ببرد حبرة، أي: مغطى بتلك البرد، فلما كشفه وعرف أنه قد مات فأكب عليه، وقبله وبكى، وأخذ يقول: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا، يعني: يفديه بنفسه وبأبويه، ويقول: أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها. يعرف أن: رسم> كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ قرآن> رسم> أن كل الأنبياء والرسل قد ماتوا، وأن كل المخلوقين من البشر لا بد أن يأتيهم أجلهم، لقوله تعالى: رسم> وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ قرآن> رسم> ولقوله تعالى: رسم> إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قرآن> رسم> فأخبر بأن الله لا يجمع عليه بين موتتين، الموتة التي كتب الله عليك قد حصلت، وهي الموتة الدنيا، الموتة الأولى التي ذكرها الله تعالى لأهل الجنة في قوله: رسم> لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى قرآن> رسم> أي: موتتهم في الدنيا.
ولما خرج وعمر اسم> رضي الله عنه يضرب من يقول: إنه مات. أمره بأن يجلس فلم يجلس، فصعد أبو بكر منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحمد الله وأثنى عليه كمقدمة لكلامه، ثم بعد ذلك قال هذه المقالة المشهورة: من كان منكم يعبد محمدا اسم> فإن محمدا اسم> قد مات، يعني: أنكم أسلمتم لله تعالى، وصدقتم محمدا اسم> ولستم تعبدونه وإنما تعبدون الله وحده، فهو الإله الحق الذي لا تصلح الإلهية إلا له فاعبدوه، فإن كان أحدا يعبد محمدا اسم> فإن محمدا اسم> قد مات فلا يصلح أن يعبد، أما من كان يعبد الله الذي دعانا محمد اسم> صلى الله عليه وسلم إلى عبادته فالله حي لا يموت.
ثم قرأ هذه الآية في سورة آل عمران قول الله تعالى: رسم> وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا قرآن> رسم> لما قرأها أبو بكر اسم> رضي الله عنه انتبه الناس لها، وكأنهم لم يسمعوها؛ وذلك لأنهم لا يستحضر كل منهم الآيات والأحاديث التي قد سمعها من قبل؛ فلأجل ذلك لما سمعوها انتبهوا، وعرفوا صحة ما يقوله، وأن الله تعالى قد قبض روح نبيه، وأنه قد اختاره لجواره، وذلك بعد ما بلغ الرسالة التي أرسل بها، وأنزل عليه قوله: رسم> وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا قرآن> رسم> أي: أنك قد حصل ما أرسلت به من دخول الناس في دين الله، وكونهم دانوا بالإسلام ووحدوا الله، فقد أديت ما عليك، فما بقي إلا أن ربه اختاره لجواره، فقبض روحه، ورفع روحه إلى الرفيق الأعلى، فهذا دليل على الدخول على الميت بعد موته.
كذلك في قصة عثمان بن مظعون اسم> -وهو من أجلاء الصحابة من المهاجرين- لما هاجر مرض عند من اختارهم النبي صلى الله عليه وسلم له كضيف عليهم، ثم بعد ذلك توفي، ولما توفي مدحته هذه المرأة التي كانت من أهل البيت، وأخذت تقول له أو تزكيه: بأن الله تعالى اختاره له، وأن الله سيكرمه، وأنه لا يخزيه؛ حيث أنه من خيار عباد الله الصالحين، ولكن كره النبي صلى الله عليه وسلم الجزم لأحد بأن يكون من أهل الجنة، وأخبر بأنه لا يعلم مصيره هو، يقول: حتى أنا فلا أعلم ما يفعل الله تعالى بي؛ وذلك لأنه بشر، والبشر غير مطلعين على علم الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه، فكأنه يقول: لا تزكوا أحدا، نحن نرجوا للمؤمن، ونخاف على الكافر، أو نخاف على العاصي، نرجوا لهؤلاء فلا نجزم لهم بأنهم من أهل الجنة، ولكن نرجوا للمحسن، ونخاف على المسيئ.
ومع ذلك يقول: جاءه أجله، أتاه الأجل وهو على أحسن حال، يعنى: آمن بمكة اسم> وصبر على ما صبر عليه من الأذى، وتكبد الهجرة، وانتقل إلى دار الهجرة وبقي عليها إلى أن أتاه الأجل، مع ما كان عليه من زهده وتقشفه، وتقلله من متاع الدنيا، وما أشبه ذلك، فكل ذلك مما يشهد له به، ولكن لا يجزم له بالجنة ولا بالنار، ولا يجزم لأحد بذلك إلا من ورد النص بأنه من أهل الجنة، فيشهد له بذلك، من عقيدة أهل السنة أنا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء ، وأنَّا لا نجزم لأحد بجنة ولا بنار.
كذلك أيضا قصة جابر اسم> لما قتل أبوه في غزوة أحد اسم> كان من جملة الشهداء الذين اختارهم الله تعالى للشهادة في هذه الغزوة، يقول جابر اسم> فرآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أكشف عن وجهه وأبكي، والناس ينهوني، ورأى أخته أيضا تبكي، فقال مبشرا لهم: رسم> تبكين أو لا تبكين مازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع متن_ح> رسم> أي: من كرامة الله تعالى له في الدنيا بعد ما قبض أن الملائكة تظله بأجنحتها إلى أن رفع، رفعه الله تعالى إليه، رفع روحه، أو رفعت جنازته وأوريت.
وبكل حال، فإن هذا دليل على جواز البكاء عند الميت؛ حيث أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لما في ذلك من الحزن، ومن قوة الحزن الذي يكون في القلب.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: رسم> العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا متن_ح> رسم> وقال: رسم> إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا. وأشار إلى لسانه، أو يرحم متن_ح> رسم> .
فلا بأس بالبكاء على الميت من باب الرحمة له، أن الإنسان يرحم ذلك الميت، ويرحم نفسه حيث فقد من هو محبوب لديه، ومن هو له مكانة عنده، وإن كان ذلك خيرا له، المؤمن إذا مات فهو خير له، ورد أنه: رسم> لما صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة، قال: مستريح ومستراح منه: المؤمن يستريح من نكد الدنيا ونصبها، والكافر تستريح منه الملائكة والمسلمون متن_ح> رسم> فالمؤمن يستريح إلى دار الثواب ودار الآخرة.
مسألة>